*مَن يُدخِل زُناةَ الليل إلى حجرة الوطن؟* *بقلم علي خيرالله شريف* بلغ تدخل السفراء الغربيين في المؤسسات اللبنانية، حداً لم

عاجل

الفئة

shadow
*مَن يُدخِل زُناةَ الليل إلى حجرة الوطن؟*

*بقلم علي خيرالله شريف*

بلغ تدخل السفراء الغربيين في المؤسسات اللبنانية، حداً لم يعد مقبولاً السكوت عنه، خاصةً من قبل القوى الوطنية التي يُفتَرَضُ بها أن لا تكون كالزوج المخدوع. والمريب بالأمر(بل الواضح) أن اتجاه التدخلات يتركز على القوى الأمنية. نحن نشهد سلسلة إجراءات مدروسة تهدف إلى السيطرة على المؤسسة العسكرية، فبعد الحرب التجويعية المفتعلة على الجيش اللبناني، وانطلاق نغمة تقديم مئة دولار شهرياً للجندي لمدة ستة أشهر، من السفارة الأميركية، ها هي السفارة البريطانية تحذو حَذوَها في حملة الصدقات على جيشنا العزيز، وتعلن عن نيتها تقديم دعم مالي له هي الأخرى. ونحن نريده أن يبقى عزيزاً لأنه الضمانة الأخيرة لوحدة الوطن وسِلمِه الأهلي، ويمثل رمزاً كبيراً من رموز الكرامة الوطنية.

إن التَدَخُّلات الغربية تتركَّز على عدة نقاط مهمة بالنسبة للغرب وأوروبا، أهمها:
- تشديد المراقبة على الحدود اللبنانية السورية، لتشديد الحصار على لبنان وتجفيف مصادر دعم ال_مق_او_مة فيه، عبر أبراج المراقبة البريطانية الـمُجَهزة بكاميرات أميركية متطورة تنقل الداتا عبر الأقمار الصناعية، إلى غرف عمليات الكيان الغاصب وغرف عمليات قوات الناتو المتمركزة في قبرص وفلسطين المحتلة وفي عرض البحر.
- تشديد الحصار الاقتصادي على لبنان لتطويعه وإحكام السيطرة عليه(ومن ضمنها السيطرة على الثروات التي ينتظرها لبنان من البحر وغير البحر).
- منع عودة النازحين السوريين إلى بلدهم، وإبقائهم في لبنان تمهيداً لتوطينهم وإحداث تغيير ديمغرافي فيه لأهداف معروفة.
- توطين الفلسطينيين الموجودين في لبنان بشكلٍ نهائي لا عودة عنه، محاولةً منها لإحياء صفقة القرن المترنحة.
طالعتنا الصحف عن زيارة قام بها مدير قسم الشرق الأوســـــط فـــي الــخــارجــيــة البريطانية "فـيـجـاي رانــغــاراجــان" إلــى بــيــروت منتصف الـشـهـر المــاضــي(شباط)، لـعـقـد اجـتـمـاعـات خــاصــة مــع قــائــد الــجــيــش الـعـمـاد جـــوزيـــف عــــون دون عـلـم الـجـهـات الرسمية اللبنانية.
تَسَلَّلَ المسؤول البريطاني إلى الجيش دون إذن الدولة اللبنانية ووزارة الخارجية، ودون علم السفارة اللبنانية في لندن، لتكريس فوضى التدخل السافر في شؤون المؤسسة العسكرية، وربط لقمة عيشها بالسفارات الغربية، على أمل تحويل مصدر المهمات الموكلة إليها، إلى تلك السفارات. لقد قام بزيارة الحدود اللبنانية السورية والاطمئنان على حسن سير العمل في أبراج المراقبة، وألمح إلى عزمه تطوير تجهيزاتها وزيادة عددها وتوسيع نطاق تأثيرها.
من ناحية ثانية قام هذا البريطاني بزيارة النازحين السوريين، وَوَجَّهَ من وَسَطِهِم تَحذيراً للدولة اللبنانية بعدم إعادتهم إلى بلادهم، مُرَدِّداً اللازمة الغربية المعروفة أن الـظـروف في ســوريــا حـالـيـاً هي غير آمــنــة لـعـودة النازحين، مـشـيـرًا إلــى أن الــدعــم الـــذي تــوفــره الـــدول المـانـحـة يــكــفــي لــتــوفــيــر مـــا تـنـفـقـه الــدولــة اللبنانية عليهم في لبنان(وهذا من ضمن السعي لتوطينهم).
واللافت في الأمر أن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي استقبل المسؤول البريطاني في السراي الحكومي متجاوزاً وزير الخارجية، ربما لإسباغ الصفة الشرعية على الزيارة. وعندما عاتبه الوزير بو حبيب أجاب ميقاتي بعذرٍ أقبح من ذنب، أنه يجهل أن وزارة الخارجية لم تعلم بالزيارة.
إن هذه التحركات المشبوهة للسفراء والمسؤولين الغربيين تجري في سياق تشديد الحصار على لبنان فيما يُشبه التحضير لعدوان جديد عليه. وهي حلقة مُتَمِّمَة للحِصارِ الاقتصادي على الشعب اللبناني. وكلنا نعلم بحركة السفير الألماني المتجاوزة لحدود اللياقة والدبلوماسية، وحركة غيره من السفراء الغربيين والخليجيين، والاجتماعات التي تجري هنا وهناك بخصوص لبنان، كالاجتماع الخماسي في باريس، واجتماعات سفراء الخليج والغرب في بيروت، وغيرها من الحراكات الدبلوماسية السرية والعلنية.
أليست هذه الأذونات التي تُعطَى للسفراء والمبعوثين من تحتِ الطاولة وفي الكواليس، هي انتهاك للميثاقية؟ أليست طعنٌ لها وتآمرٌ عليها؟ هل يحق لقائد الجيش أن يستقبل الزيارات والهبات دون العودة إلى مجلس الوزراء؟ وهل يحق له فتح خط مع الجهات المانحة لتلقي المساعدات دون العودة إلى مجلس الوزراء؟ وإذا افترضنا أن لديه ضوء أخضر من رئيس الحكومة، فهل يحق لرئيس الحكومة أن يعطيه ذلك الضوء دون العودة إلى مجلس الوزراء؟ أليس هذا الأمر سيادياً وميثاقياً ويخص أمن البلد بكل طوائفه وأطيافه ومواطنيه؟
إن التجاوزات الخطيرة التي يرتكبها الغربيون ويسكت عنها رئيس الحكومة والوزراء، بل يُسَهِّلُها بعضُهُم ويتعاونون معها مستهترين بسيادة البلد وأمنه وكرامته، تُشَكِّلُ خطراً على الم_قا_و_مة وعلى مستقبل الوطن ككُل.
إن هؤلاء المتدخلين هم بمثابة زناة الليل الذين يتسللون إلى حرمةِ الجيش اللبناني وإلى عرين الـوطن، وإن مساعدتهم من قبل بعض المسؤولين الكبار، هي بمثابة تمكين لهم من أعناقنا وتسهيل لذبحنا، وهي تواطؤ معهم لينالوا مآربهم منا. وإن من بوادر انفصام الدولة والتشرذم أن يتصرف كل مسؤول مؤسسة وكأنه دولة قائمة بذاتها، ويقيم علاقات كما يحلو له مع السفارات والدول الأجنبية، ويتلقى الهبات والمساعدات، وبعدها لائحة الإملاءات.

*الاثنين 14 آذار 2023*

الناشر

عباس دقدوق
عباس دقدوق

shadow

أخبار ذات صلة